ياسر عاشور..طفل من غزة الصمود والتحدي
هبة فتحي/غزة
ياسر عاشور سنوات عمره لم تتجاوز الأربعة عشرة، إلا أنه كان يتحدث بعمق عن الأحداث كسياسي ما زال في مرحلة المخاض، في المدرسة كان الأول بين طلبتها، لكن الحرب الأخيرة جعلت عقله يلفظ مخطوطات الكتب، يقول: إنها مجرد مرحلة ستنقله إلى مرحلة أكثر صلابةً وإيمانًا بالحق المبني على المقاومة، بكل الإمكانيات المتاحة، أما أحلامه فسيستأنفها بعد حين، ولن يقتلها في ثنايا قلبه، حتمًا سيحققها يومًا.
"القدس أون لاين" تستضيف في حوار خاص ياسر عاشور- التلميذ في الرابعة عشرة من عمره، الأول على مدرسة الفاخورة، التي نال سورها الغربي قذائف الاحتلال فردمت خلفه أكثر من 43 شهيدًا غالبتهم لاجئين احتموا بالمدرسة، بعد أن شردهم القصف من بيوتهم- تسمع بعضًا من أحلامه التي واراها الخراب، وتروي شهادته على بشاعة المشهد الدامي بمدرسته التي فقدت خمسة من أبنائها شهداء في الحرب، تابع معنا:-
كثيرة هي مشاهد الموت التي هزت الساحة الإعلامية في أيام الحرب الـ23 على غزة، كالمجزرة بحق عائلة السموني والداية، وتلك الفتاة أميرة فتحي التي اختبأت بنزف جرحها تتوارى عن أعين الجنود، حتى تبقى الشاهدة على إعدام الجنود لأبيها وأشقائها، غير أن الأبرز كانت مجزرة مدرسة الفاخورة، التي استشهد فيها أكثر من 43 لاجئًا بعضهم من عائلة واحدة، وخمسة من طلاب المدرسة، فلم يتصور أحد أن تصب قوات الاحتلال رصاصها على معلم مدني يتبع لهيئة الأمم المتحدة أُعد في فترة الحرب ملجأ للمشردين، لا يحوي مقاومًا، ولا يقع بالقرب من بؤر إطلاق الصواريخ للمقاومة.
تفاصيل المجزرة ما زالت عالقة بذاكرة ياسر عاشور الذي شردته آلة الحرب من بيته القريب من القصف إلى بيت عمته القريب من مدرسة الفاخورة، على اعتبار أنه مكان آمن، لكنه لم يكن كذلك، ياسر يؤكد أنه مع سماع دوي الانفجار الأول تحرك إلى مدرسته التي لا تبعد كثيرًا عن البيت، الذي آوى إليه وأسرته، لم يتصور الفتى حجم المأساة التي خلفتها الضربة الجوية، ولم يتخيل أنها وقعت في جدار مدرسته من الناحية الغربية، لكنه ما إن وصل حتى رأى الشهداء، أشلاء غارقة في بركة دم، "كانت غزيرة كبرك مياه الأمطار التي تتساقط من السماء"، قال عاشور مضيفًا: إنها اختلفت قليلاً بامتزاجها بفتات لحم وعظام وحجارة وتراب، ويصمته استحضار المشهد فيهذي بكلمات تصف بشاعة المجزرة، هنا فتاة سقطت شهيدة انفصل رأسها عن جسدها، ولم تربط بينهما شرايين الحياة، وهناك أشلاء متقطعة، وخلفها أياد وأرجل مبتورة، وعن يمينها عيون مفقوءة، وأجساد لنساء متفحمة، وأشلاء أخرى تساقطت في بركة الدم، كان المشهد صادمًا لم أتخيله أبدًا، قال الطفل عاشور، وأضاف: جميعهم أبرياء، منهم عشرة أطفال، خمسة من طلاب المدرسة، اثنين من اللاجئين بها بحثًا عن سبيل للنجاة، ونساء، حتى الحيوانات لم تسلم من آلة الحرب الهمجية، فعلى قارعة الطريق بجوار سور المدرسة سقط حمار بقذيفة في عينه، "أعتقد أنه كان يستعد لقنص جندي أو إسقاط طائرة استطلاع".
العودة للمدرسة
مرت أيام الحرب بتثاقل على قلوب الفلسطينيين وكأنها 23 دهرًا، استشهد من استشهد، وجرح من جرح، لكن الألم ظل نابضًا بالقلوب تلفظه الألسنة أنات حزن ووجع.
بعد أيام الحرب، عاد ياسر إلى المدرسة، لكنه ليس كما غادرها شارد الذهن يلزم تفكيره النسيان، في عيونه لا يرى غير مشاهد الموت، وفي قلبه ليس متسعًا إلا للحزن، وعقله يأبى استذكار الدروس التي حفظها قبل الحرب لخوض امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول، يقول الفتى: "قبل الحرب كنت مستعد جيدًا لخوض الامتحانات، درست وأعددت العدة على ضوء الشمعة ومصباح الكاز، ولكن.."، الآن الفتى يؤكد أنه لو دخل الامتحانات لن يحصل على أكثر من 6% فقط، ويتابع: "لست مبالغًا، اليوم المدرس طرح علينا بعض الأسئلة كانت بسيطة جدًا، لكن أحدًا منا لم يستطع للإجابة سبيلاً، ولما طلب مني المدرس الإجابة لم أستطع استحضارها إلى ذاكرتي، لم يستطع المدرس أن يكيل اللوم على الطلبة، بل التمس العذر لهم بسبب أيام الحرب الغابرة التي عايشوها"، ويشير: الآن نحن مقبلون على فصل دراسي جديد، ومنهج جديد لا نعرف بأي عقل، وأية ذاكرة سنستوعب الدروس.
المقاومة شرف للأمة
يبدو أن ياسر لم يكن متفوقًا في دروسه العلمية فقط، بل تفوق في جرأته في الحديث عن المقاومة، وما إذا كانت السبب في الحرب على قطاع غزة التي راح ضحيتها آلاف الشهداء، المئات منهم من الأطفال والسناء.
ياسر قال: "إن المقاومة هي شرف للأمة، وهي سبيل النصر والتحرر"، واعتبر انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وإعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار من جانب واحد انتصارًا، وأسبابه في ذلك أن المقاومة بأسلحتها وعتادها البسيط استطاعت أن تواجه في الميدان أعتى ترسانة عسكرية وجيش يزعم أنه لا يقهر، لولا المقاومة لما استطاع الشعب أن يصمد، ولكان مصيره التهجير، لافتًا أن قوات الاحتلال مع بدء الحرب على غزة ضربت الجدار الفاصل بين مصر وقطاع غزة، واستهدفت المدنيين بغية تشريدهم إلى المدن، ومن ثمَّ إلى مصر وسيناء، ويستدرك الفتى: "الحمد لله، مصر استدركت الخطوة، ومنعت الفلسطينيين من الدخول إلى أراضيها".
تمامًا كما بيوت الأهل والأقارب، كما المساجد والجامعات التي أضحت كومة رماد وتراب، دُمرت الأحلام لدى أطفال غزة، فلم يعد لديهم ما يحلمون به، ياسر كان يحلم بالدراسة في الجامعة الإسلامية، وما زال يحلم بذلك رغم تدمير الجامعة، يقول: "قد يعتقد البعض أنه لا مجال للحلم ولا الطموح في ظل المآسي الموجودة على أرض الواقع"، ويستطرد في إصرار وتحد: "لكن هذا مستحيل على أطفال غزة، كل ما نحتاجه مساحة أكبر من الوقت لاستعادة أحلامنا، وتجميع أفكارنا المشرذمة من جديد، نريد مزيدًا من التأهيل لنعاود إبصار الأمل من تحت الركام".
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
6 تعليق على ياسر عاشور..طفل من غزة الصمود والتحدي
اها والله معلم يا ياسر
اهاا حلوووو !! بانتظار كل ما هو جديد !
بارك الله فيك
مساؤك النور ياسر
ابارك لك افتتاح مدونتك الرائعة
أتمنى لك دوام التقدم والنجاح
رااائع كأنت ياسر
تحياااتي ومودتي
رووووووووعة استمر في التقدم بتمنالك التوفيئ يا رب
أزال المؤلف هذا التعليق.
إرسال تعليق