أقبح من حصار اليرموك وأجرم من التجويع

15 يناير 2014
أقبح من حصار اليرموك وأجرم من التجويع | ياسر توك 
صور لأطفال ورجال موتى عظامهم بارزة من تحت لحمهم ملقى بهم على برد البلاط وصورة أخرى لمجموعة من الرجال ملتفون حول قدرٍ فيه بعضٌ من الماء بالإضافة إلى بعض الشعارات التي تتكرر يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي ، هذا أول ما يخطر في مخيلتنا عند سماعنا لاسم مخيم اليرموك .


وكل واحد منّا صار يفتي بحقيقة أمر المخيم - وهو جالس خلف شاشة إلكترونية بعد أن يتناول ما يحلو له من الطعام - نيابة عن أهله الجوعى وكأنهم فوضوهم للحديث عنهم ، فنرى معارض النظام السوري يقول : النظام يحاصر أهل المخيم ليقتل أهله بطريقة مغايرة لقتله للمسلحين على حد تعبيره ، وأخر مؤيد للنظام يقول : كتائب المعارضة المسلحة متمركزة في المخيم وتعذب أهله وتمنع إدخال المساعدات ، طالت الخلافات ومع مرور الوقت يزداد عدد الموتى جوعًا داخل المخيم ولا حل ينقذ أهله من جحيم الجوع حتى اللحظة .
لم أكتب هذه المقال تضامنًا مع أهل المخيم ولا لأوضح حقيقة ما يحدث بداخله ، إنما أكتبها لأحذر مما هو أجرم وأوقح من القتل والحصار على حد سواء - فالمحُاصِر لديه مبرارته والمسلح الذي يختبئ في المخيم كذلك - ،إنها أفعال تجار الأزمات والصاعدين على آلام المنكوبين ، من يستغلون كل أزمة لتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية بطرق متعددة فنرى البعض يجمع التبرعات لأهل المخيم المُحاصَرين دون أن يوضح آلية إيصاله للمساعدات علمًا أن الأونروا والمؤسسات الدولية ومؤسسات السلطة الفلسطينية أعلنت مرارًا أنها وفرت الكثير من المساعدات منذ بدء الأزمة ولم تنجح حتى اللحظة في إدخالها بسبب الحصار المفروض عليه ورفض المسلحين لإدخالها أو احتجازها لتحقيق مكاسبهم السياسية والعسكرية ، والبعض الآخر ينشر صورًا ويطلب من متابعيه أن يساهموا في نشرها " كي يتم فك الحصار عن المخيم" وآخر يكثر من نشر صور الموتى وكأن ضميره سيرتاح فور نشرها أو يدور في مخيلته بأن مشاركة مثل هذه الصور وزيادة أعداد الإعجابات بها و مشاركتها أو إعادة تغريدها ستسهم في إنقاذ أهل اليرموك من الموت وستسد فجوة من معداتهم ، وآخر ينشئ صفحة على فيسبوك نصرة لأهل المخيم ويطلب من الجميع دعمها "لأجل أن يخلص أهل المخيم من الجوع" وبعد انتهاء الأزمة يستغلها لنشر ما يحلو له ولحزبه من مواضيع ، وآخر يستغل صداقاته الخارجية ومتابعيه عبر الانترنت لتحويل أموال لحسابه الشخصي بحجة أنه سيقوم بإيصالها لأهل المخيم بطرقه الخاصة والحقيقة أنه يسرقها دون أي تأنيب ولو صغير من ضميره ، فإذا كان الحصار جريمة والقتل جريمة والتجويع جريمة ، فإن استغلال الجريمة لمصالح شخصية أشد قبحًا ووقاحة من ذلك كله .

لعل أحدكم يتهمني بالمبالغة في الحديث ، ولكن هذا ما يحث بالفعل من بعض الأشخاص الذين أعرفهم جيدًا وهذه ليست المرة الأولى لهم فقد استغلت مثل هذه الأفعال في الحرب الإسرائيلية على غزة العام السابق، وتتكرر دائمًا تحت ديباجة "حصار غزة"، واستغلت بشكل كبير خلال المنخفض الجوي الذي عصف بغزة وأغرق أهلها فقد استغل عديمي الإنسانية هؤلاء صور الناس المنكوبة لجمع أموال لم ير المنكوبين منها شيء واستغلت أيضًا في أزمات انقطاع التيار الكهربائي الطويلة ، كذلك في الأزمة السورية بشكل كبير ومازالت حتى الآن، واستخدمت الكترونيًا في أحداث رابعة العدوية والنهضة .

يا لوقاحتهم يتلذذون بنشر صور الدماء والموتى ويروجون الأكاذيب ويألفون القصص التي ليس لها من الوجود شيء ويضاعفون في أعداد الموتى كل مرة دون أي مراعاة لآلام الناس المنكوبة ودون أي اهتمام لما تبقى من إنسانيتهم ولا مراعاة لشعور الآخرين الذين قبلوا صداقتهم أو تابعوهم لأجل معرفة أحوالهم الشخصية ومناقشة آرائهم ، فأصبحت الساعات القليلة التي نقضيها على هذه المواقع مغموسة بالدم والفتنة من وراء أشخاص بلهاء يعتقدون أنهم ينشرون والإسلام والعدل ويساهمون في الخير ، وعندما يكون في خلوته أو في صلاته لا يتذكرهم ولو بدعوة صغيرة .


إرسال تعليق