وطن خارج الوطن

15 مارس 2015
صورة لعلم فلسطين خلال مشاركته في ماراثون إسطنبول 36 أعلى جسر البسفور.


 ما هو الوطن ؟

في حياة الفلسطيني المبنية على التناقضات والاختلافات دائمًا وأبدًا ، قد لا نجد تعريفًا واضحًا لمصطلح الوطن ، فالوطن يمكن اختصاره بكلمة فلسطين ويمكن التوسع بتعريفاته حتى نصل لنفق لا نهاية فيه فنتوه بوصفه ، هل هو قطعة الأرض أم الفكرة التي رسخت في ذاكرتنا أم ذلك الذي نسمع عنه ولم نراه أم الوطن هو ما نحمله معنا في قلوبنا ونسافر ... إلخ من الأفكار التي قد تخطر على بال أي فلسطيني عندما يُسأل عن هذا المصطلح المعقد.

غزة هي الوطن

الوطن بالنسبة لطفلٍ ولد ونضج في غزة المخنوقة من كل الزوايا هو تلك القطعة من الأرض الملئية بالمشاكل السياسية والحروب المتلاحقة وكان لا يعنيني إلى فترة ما كل ما خارجها سوى بعض الحنين لقرية جدي الأصلية التي استمعت لبعض القصص عنها أو الشوق كما كل فلسطيني للصلاة في المسجد الأقصى باعتباره مكان مقدس وله رمزيته الخاصة، والقصص التي كُنت أسمعها عن فلسطين التي خارج غزة من والدي أو جدي أو من هم في جيلهم عن المدن التي زاروها من الوطن في زمانهم كانت ما هي إلا عبارة عن قصص بالنسبة لي أبعد من الخيال أن أعيشها مثلهم لأن زمانهم ولّـى "واحنا راحت علينا" ، حتى حديثي مع الأصدقاء دائمًا كان يقتصر على ما هو داخل مساحة غزة التي لا تتعدى 360 كيلو متر مربع ، فعلى سبيل المثال كان يعني مصطلح "عِـنَـا" فقط غزة ، أي عندنا في غزة على افتراض أنها الوطن وأن "غزة هي كل ما تبقى من فلسطين التي سرقت " – هذه الفكرة وجدتها في تدوينة لصديق من الضفة المحتلة بعد زيارته لغزة وكان يقصد بها بمنظور المقاومة وعدم التنسيق مع الاحتلال – ، وعدم وجود أصدقاء من مدن فلسطينية أخرى زاد من ترسيخ فكرة غزة هي الوطن إلى ذلك الوقت.

وطن إلكتروني

مع تطور التكنولوجيا وانتفاح شقي ما تبقى من فلسطين على بعضهما إلكترونيًا ، بدأ مفهوم الوطن يتسع بالنسبة لي بعد التعرف على بعض الأصدقاء من القدس المحتلة الضفة المحتلة و الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 و الفلسطينيين في دول العالم، ولكن اتساعه كان بدون أن أبني آمالي على أن نجتمع يومًا لما نحن فيه من حالٍ معقد ويبقى لنا وطننا الالكتروني ، ولكن هذه العلاقات – على اي حال - زادت من مستوى المعرفة بفلسطين بعيدًا عن فلسطين المكتوبة في كتاب التاريخ التابع لسلطة أوسلو فأصبح تلقي المعلومة غير مرهون باتفاقيات السلطة التي بالطبع لن تحدثنا عن فلسطين الحقيقية ، وبالانترنت تمكنت من زيارة فلسطين افتراضيًا ونسج علاقات مع أصدقاء متواجدون في الوطن "فلسطين" والوطن البديل "العالم".

وطن خارج الوطن

لا أدري هل هو لحسن حظي أم لتعاسته أرسلني نصيبي للدراسة الجامعية في إسطنبول التي تعتبر في هذا الوقت مركز التقاء للكثير من البشر حول العالم لاسيما السوريين والفلسطينيين منهم ، فعدد الفلسطينيين في إسطنبول لا بأس به غالبيتهم من الطلاب من كل مدن فلسطين المحتلة ويتردد عليها الكثير من الفلسطينيين للسياحة أو للعمل ، فكانت إسطنبول فرصة للالتقاء بالفلسطينيين من كل أماكن تواجدهم ، وجزء منهم كان من الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في الوطن الالكتروني بعد أن كان مُحالًا أن نلتقي ، جمعنا وطن في الغربة نناقش فيه الوطن ونتبادل المعلومات عن أوطاننا الصغرى.

أوطان في الأوطان

قبل فترة التقيت بعدد من الفلسطينيين المتواجدين في بلاد الله الواسعة الذين أصبحوا أصدقاءً بعد ذلك واستمعنا لبعضنا مطولًا عن فلسطين التي في فلسطين المحتلة والتي أمريكا والسويد وألمانيا وفرنسا وأسبانيا والمكسيك وإيطاليا والدول العربية وغيرهم الكثير ولكل وطن صغير قصة لا نعرف عنها إلا القليل ، فيمكن أن يكون الوطن أيضًا محمولًا في قلب المسافر قسرًا كان أم طوعًا فالوطن فكرة لا يمكن أن تُمحى حتى لو كان أوطان متناثرة في كل مكان فإنه بلا محالة مشتت إلى حين العودة للوطن الأول الذي نتعبه ويُتعبنا والذي يجمعنا أينما تواجدنا.





إرسال تعليق