إلى بريد مجهول

07 مارس 2016
لوحة للفنان الفلسطيني منذر جوابرة
على يمين الصفحة المليئة بالمربعات الهندسية كتبت اسمي وعنواني وأرسلت رسالتي إلى بريد أجهله ولكني أحبه ، كُتب فيها الآتي الآتي : 
من تائه في مدينة التلال السبع إلى مجهولة في صحراء العرب أكتب إليك وأنا عاجزٌ -ولأول مرة- عن التعبير عن ما في القلب ، ليس ضعفًا القاموس ولا كرهًا في البوح إنّما خوفًا من عدم إنصاف الوصف يا صغيرتي ،  فكيف لحبٍ من صنع الله أن تعبر عنه كلمات من صياغة البشر وتوفيه حقه وتحسن وصفه ؟ 


يجبرني الإحساس -ولأول مرة مجددًا- أن أتمرد على الواقع الذي كافحت لأجل الوصول إليه بعد عاصفة التغيرات التي تأثرت بها في الفترة الأخيرة ، يجبرني أن أصدق ما تقوليه فأنت كما يخيل لي طينٌ من بلادي يذوق -مثلي- وجع البعد وتكسر قلبه الخيانات المتكررة ، ولكن على أي حال ، لا بأس ، فلا زلت في زهرة العمر لم تأخذين نصيبك من القهر المنتشر في قلوب المحبين ، لا أتمنى لك الحصول على قسطك منه ولكن أصلي لأجل أن يلعب القدر معك هذه المرة وتكوني بلا أوجاع جديدة يا غاليتي. 

"“مازال في قلبي بقايا .. أمنية 
أن نلتقي يوماً ويجمعنا .. الربيع 
أن تنتهي أحزاننا 
أن تجمع الأقدار يوماً شملنا” 
فاروق جويدة  |  حبيبتي لا ترحلي

يا أنتِ ، لا أعلم لماذا حين يمر بي طيفك أشتم عطرك الذي لم أشمه يومًا وأحملق في ضوء عينيك الخافت رغم أنني لم أراه ولو لمرة ، ولكن -كما يقال- أن المرة تصافح من عقلها قبل قلبها ويأسرنا حنانها قبل بريق عينيها ويبهرنا عطاؤها قبل ألوانها الصارخة ، فأنت هكذا تمامًا صافحت عقلك وأسرني حنانك وأبهرني عطاؤك ، فالألوان كثيرة يا صغيرتي ولكننا نبحث عن الإنسان ، فلا إنسان أجمل من الذي تضميه في ثنايا صدرك الدافي.

في لحظة ما تُجبرنا الدنيا على اتخاذ مسارات لا نرغبها وننصاغ إليها في نهاية المطاف ، ليس حبًا في البعد ولكن الصراع لأجل المبدأ يحتم علينا ذلك فمن تخلى عن مبدأه في الاتصال عند أول قلب ربما يتخلى عن مبادئ أخرى أهم عند أول شيء يغري ذلك القلب مجددًا ، أعلم أن الرحيل يؤلم القلب ولكني متيقن أن البقاء بهذا الحال يجرح العقل ، فلابد للعقل أن ينتصر على القلب -على الأقل في هذا العمر- لأن ما يخبؤه القلب من هزائم للعقل لا يعلمها إلى ربها.

"إن كنتِ قرَّرْتِ الرحيلَ حقيقةً هيَّا اخرُجي مِن مُهجَتي مِن مُقلتي ، مِن بَهجتي ، مِن دَمعتي ، مِن ضِحكَتي ، مِن صَرختي ، مِن بينِ أنسِجَتي ... هيّا اخرُجي مِن أضلُعي مِن خارِجي مِن داخلي مِن قلبيَ المذبوحِ ، مِن رِئتي" * عبد العزيز جويدة | كل الذين عرفتهم.

عندما يتعب الطين تسكن الروح ويهدأ نبض الفؤاد ، ترحل الأرواح إلى السماء وتحلف عاليًا عند النجوم وتتأمل جراحات الحب الباقية في أجسادنا من بعيد وترسل لنا ملائكة تطبطب على قلوبنا المتعبة ، تنتهي الحكايات بنهاية أجمل من التي قرر عناد أصحابها أن ينهوها بها وهكذا تنتهي هذه الرسالة التي كتبت وأرسلت هكذا بعفويتها دون أن يتم مراجعتها ولو سريعًا ، فالصدق إن أعدنا النظر فيه يخدعنا الشكل فنزينه ونذهب رونقه الصافي. 

أكتب أمنياتي بالحياة الجميلة وكشفتاها وأطوي ورقتي وأضعها في البريد دون عنوان وحاشاه رب القلوب أن يتركها معلقة هكذا دون وصال. 

تعليق واحد على إلى بريد مجهول

Unknown يقول... @ 18 مارس 2016 في 5:16 م

رائع ماخطت يمينك..

إرسال تعليق